(قصة) مريم المصون والذئب الملعون (البارت الاول)

بسم الله الرحمن الرحيم
في هذه الحياة، الكثير من الأسرار التي يعيشها كل بيت، ولكن في أغلب الأحيان فرد واحد من هذه الأسرة هو الذي يعيش معظم المأساة إن أصابت أسرته.
 
في قصتي هذي سأتحدث عن حياة واقعية لإحدى الفتيات،  شكت لي بنفسها عن قصتها، وقمت بإضافة بعض المواقف من نسج خيالي ..
أخوكم السياف
 

 
 
 
 
 
 
مرحبا، اسمي مريم، ولدت في عام ١٩٧٧ في صقيع شتاء ديسمبر، وترتيبي بين أشقائي الأولى، عشت كأي فتاة تعيش على هذه الأرض الطيبة، فأسرتي ليست من ذوي الدخل المحدود وليست أيضاً من الأسر الارستقراطية المخملية، ولكنني من أسرة متوسطه ولله الحمد، لذلك لم تكن المادة هي مشكلتنا كما أسمع من بعض الأسر، وليس المسكن هو همنا، ولم يجد والدي رحمه الله مشقة في توفير قوت يومنا، ولم تذب وردة شباب والدتي رحمها على ماكينة الخياطة لتخيط لي سترة أو رداء يمنع عني البرد القارس، لا إطلاقا، فمن وجهة نظري تتلخص مشكلتي الوحيدة في الحياة في "الحظ"،نعم الحظ الذي لم يحالفني ولو مره منذ أن عرفت الدنيا حتى وإن كانت الحظوظ تحوم حولي إلا أنها سريعا ما ترحل .. وكثيرا ما تتأخر لتعاود حومها من جديد.. 
 
 
محمد : أقولج مريوم كيف يطرشون رصيد من التلفون ؟ 
مريم: عادي اتصل على ……….. ودوس إرسال 
محمد: أها 
مريم: ليش؟
محمد: لا بس أبغي أطرش لربيعي رصيد
مريم: ربيعك؟ مايروم يسير الدكان ياخذ له رصيد؟
محمد: ياخي ألف مرة أقولج اسمها بقاله هب دكان .. 
مريم تقاطعه : اهووو المهم اللي هو .. 
محمد : ( يضحك)
 
 
محمد هو شقيقي الأصغر والذي لم يرى والدي ولا يعرف والدتي  رحمهم الله، شاب في بداية العشرينات يحب الحياة بعكسي تماماً، وبالمناسبة محمد لايعلم بأني أعلم جيداً أن الرصيد ليس لصديقه، ولكن أسأل الله أن يسعده ويوفقه في دربه، لأن هذه الحياة يأخذ منها الفرد نصيبه وبالقدر الذي منحه له الله -عز وجل-، وأنا لم أُخلق مختلفة عن البشر بل جميعنا لدينا ما يسعدنا وما يحزننا، ليس هذا المهم، أعود معكم في بعض التفاصيل التي عشتها في حياتي واسمحوا لي أن أتحدث عن وفاة والدي -رحمه الله- الذي توفى ومحمد لم يولد بعد، كان والدي -رحمه الله- يعمل مراقب طرق في إحدى الدوائر الحكومية، وعند ممارسة عمله في الرقابة على مشاريع الطرق، وبينما كان يقف بجانب إحدى المعدات الثقيلة تحركت دون قصد ودهسته، عندها كنت في السابعة من عمري، صغيرة ألهو مع بنات جيراننا، ولا أعرف لماذا يتوافد الجميع إلى منزلنا فجأة، أعرف بأن الموت فراق ولكن لا أعرف بأن الموت يصيب الوالدين، كنت أظن أن الموت يصيب بعض المخاليق فقط، ولا أحد يموت إلا بعد أن يصل إلى سن متأخر وكبير.
 
خالتي : مريوم
مريم: ها
خالتي: تعالي حبيبتي
مريم: ليش أريد ألعب
خالتي: تبكي
مريم: الله يخليج الله يخليج خليني ألعب
خالتي: تعالي معاي أمج تبغيج
مريم: انزين
 
 
دخلت إلى منزلنا، فوجدت أمي ملقاة على الأرض تبكي فجلست بجوارها، لا أعلم ماذا أقول ولا أعلم لماذا تبكي أصلاً، وأرى النساء حولها يبكين وبعضهن يواسينها وأنا لا أعلم مالذي يحصل من حولي، بالمناسبة استعجلت كثيرا في سرد القصة دون أن أخبركم بأن لدي أخت أصغر مني وأكبر من محمد تدعى خولة، كانت خولة صغيره جداً، تمسك بها جدتي وكانت خولة تبكي بكاءً شديداً بكاء فزع الأطفال الفطري، فتوجهت لها وجلست بجوار جدتي وبكيت، كانت الدموع تنهمر فزعاً ورعباً مما يحصل، شعرت بأن هناك أمراً لا أفهمه يدور حولي، وحضنتني جدتي بجوار أختي وبكت، هذا اليوم لا أستطيع أن أنساه ولا أستطيع أيضاً أن أتذكره، أعيش صراع نسيانه وحضوره في ذهني، رحم الله والدي رحم الله الرجل الذي كان يحضنني وأشعر بدفء صدره الحنون، رحم الله من كان يشد شعري لأصرخ ثم يضحك، رحم الله الذي كان يجلسني في حجره على مقود السيارة ويطوف بي الشوارع 
رحمك الله يا أبي.
 
 
استمر البكاء لعدة ساعات، كنت أصمت قليلاً ثم أبكي ثم أصمت، إلى أن ذهبت بنا جدتي -رحمها الله- إلى منزل عمي، وتم نقل والدتي إلى المستشفى، في بيت عمي دار حديث مع عمي وجدتي حول الجنازة وأنا لا أعرف مامعنى جنازة، أنصت جيداً لحديثهم واكتشفت بأن والدي مات ولكن لماذا مات وكيف مات ومتى؟ لا أعرف، انتابني شعور سيء مفزع جعلني أبكي هذه المره بإحساس، أبكي لأنني شعرت برغبه حقيقية للبكاء.
 
 
توافد الأهالي إلى منزلنا، وإلى منزل عمي، ففي العصر نذهب إلى منزلنا أنا وخولة، وفي الليل لا أعلم لماذا جدتي تأمرهم بأن يأخذونا إلى منزل عمي لدى زوجته، وكل هذا وأمي لاتزال  في المستشفى لم أرها، ومرت الأيام ولم نرَ أبي مرة أخرى، وبدأ العام الدراسي، وكنت في السنه الثانية الدارسية، حظيت باهتمام المعلمات ومواساتهن لي بطريقة رحيمة عكس السنه الماضية، وترددت كلمة يتيمة كثيراً، وبدوري حفظت هذه الكلمة جيداً وبحثت في مخيلتي الصغيرة عن مكانها ولم أجد، فسألت والدتي عن كلمة يتيمة فبكت وقالت من الذي قال لك هذه الكلمة؟ قلت في المدرسة يا أمي، سمعت المعلمة تقول للطالبة التي أخذت مكاني "حرام هذي يتيمة"! 
 
يتبع ,,,, الجزء الثاني
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *