أردوغان.. ومنجم التاريخ

تاريخ النشر: الأربعاء 30 أغسطس 2017

جريدة الاتحاد

في مؤتمر صحفي أعده قبل المجيء إلى المملكة العربية السعودية في زيارة استغرقت يومين بحجة التدخل في حل الأزمة الخليجية، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلاً: «أشعر بحزن وأسى، ويجب ألا تطول هذه الأزمة». وفي خضم استماعي للتصريح أخذني عقلي إلى مكان لا يعرف الكذب ولا التدليس. مكان يصعب على أي كان الوصول إلى ما يملك أو العبث بممتلكاته ومقتنياته، ذهبت مع عقلي إلى منجم التاريخ الذي من خلاله أردت التنقيب والتمحيص في حديث أردوغان، ومع الضربة الأولى بالمعول خرجت لي صبرا وشاتيلا، مخيمات تؤوي لاجئين فلسطينيين هربوا من جحيم زبانية شارون في فلسطين، فوجدوه أمامهم ليسحقهم بكل ما أوتي من قوة في مشهدٍ من غير الممكن لأي عقل استيعابه، ولا لأي نفسٍ بشرية تقبله، وليست القصة هنا ولا هي في ملكوت العقل، والذي أجبرني على دخول منجم التاريخ لسرد هذه القصة الحقيقية، لكن هناك بواطن تخالف الظواهر التي يبديها أردوغان واختلافات لا توافق بين القول والفعل، وبدأ ذلك جلياً في زيارة أردوغان لشارون بعد عشرين عاماً من حادثة صبرا وشاتيلا ومطالبة أهالي الضحايا بمحاكمة شارون بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، الأمر الذي لم يقبله أردوغان على نفسه، فكيف يجلس وشارون سيُحاكم. وكان لابد أن يذهب إلى تل أبيب لمؤازرته والوقوف بجواره، فالإنسان قيمة وتكمن قيمته في الشدائد! وتباً لصياح صبرا ونواح شاتيلا.

الزيارة أراد من خلالها أردوغان مغازلة الاتحاد الأوروبي لكنها لم تنجح كما خطط لها، فأراد الله عز وجل مع بداية وصول أرودغان إلى البوابة الأوروبية أن يدخل شارون في غيبوبة، فلا مجال لشفاعته ولا وساطته، ولم يفتح الأوروبيون بوابتهم، ورحل شارون من الحياة، وبقي أردوغان وحيداً يبحث عن مدخل جديد ووساطة جديدة، ولم يتبق له إلا بوابة قطر ليلج من خلالها مع أنها صغيرة جداً وضيقة، لكنه وضع نفسه كطرف في الأزمة الخليجية وحاول الكيل بمكيالين، وذلك من خلال إرسال قواته العسكرية إلى قطر، ومحاولة استمالة الدول المقاطعة من جهةٍ أخرى، ولعب دور المصلح وغيرها من الأدوار، والتي حاول تدعيمها بالبراهين والحجج الواهية.

ومع المعول المشؤوم ومنجم التاريخ ها أنا أجد نفسي أضرب مرة أخرى لأجد قضية الأكراد المصيرية، والتي كان من المفترض أن يمنحها أردوغان الاهتمام اللازم، ومع هذا أدار ظهره للقضية، واتجه إلى جزيرة العرب القادرة على حل أزماتها سواء بالخيار «ألف» أو بالخيار «باء»، وليست في حاجة لأحد لحل أزماتها، ومع كل طرقة بدأ المعول بإخراج المزيد والتلميح بأن كل هذه المحاولات من أردوغان بسبب تورطه مع قطر في دعم الإرهاب، أدرت ظهري، وتركت المعول، وبدأت بالخروج، أتلفت يميناً تارةً وشمالاً تارةً أخرى، وأرى كيف أن منجم التاريخ يحفر على جدرانه، ويدون للمستقبل، أو يدفن الأسرار حتى يأتي من يبحث عنها، ويستخرجها بوساطة البحث وبمساعدة شتى أنواع المعاول، ولقد رأيت وبأم عيني والله شهيد على ما أقول لحظة تدوين التاريخ على الجدار خروج نوع جديد من الانهزام بعيد كل البعد عن الهزيمة العسكرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *