الداعية وصيام الأسبوع

صحيفة 24 الاماراتية

 

 

قبل أيام ذهبت لصلاة الجمعة، حيث المسجد الذي دائماً ما ألتقي به أصدقاء الطفولة، فبسبب المشاغل وبعد المسافات، نكاد لا نجد فرصة إلا يوم الجمعة لرؤية بعضنا البعض. وبعد الخروج من المسجد، لم أجد أحد الأصدقاء بين المجموعة، فسألت عن سبب غيابه واكتشفت ذهابه إلى إمارة أخرى لحضور عزاء خالته، وعند العصر اتصلت بسلطان وعزيته.

سألت صديقي سلطان عن سبب وفاة خالته، كما هو معروف في الغريزة الإنسانية التي تبحث دائماً عن مثل هذه الأسئلة، فأجابني "فشل كلوي أجارنا وإياكم الله"، فسألته عن عمرها، فقال "نعم هي مسنة قليلاً، ولكن أهلكت نفسها بالصوم خلال السنوات الثلاث الماضية"، فقلت في سري: وهل الصوم يهلك؟ بالطبع لا، فليس أفضل من الصوم وسيلة تنقية الدم وضبط الدورة الدموية والجهاز الهضمي فكيف يقول صديقي مثل هذا الكلام! ثم زاد فضولي، فسألته: "كيف بالله أهلكها الصوم أيها الليبرالي سلطان؟"، ذلك أن الليبراليين هم من ينتقدون الدين في كل شيء، كما نسمع عنهم من قبل بعض المشايخ، فحكى لي قصة صدمتني أيما صدمة.

في يوم من الأيام مر بهذه السيدة رحمها الله داعية، كما يسمي نفسه، ينصح أهالي المنطقة ويعلمهم دينهم ويحثهم على التمسك بالسنة النبوية الشريفة, فقال لهذه المرأة إن أردت الجنة فعليك بصيام يوم الإثنين والخميس، وإلى هنا باستطاعتي القول بأن كلامه جدير بالاحترام والتبجيل، فكل ما قاله صحيح لا غبار عليه. أما ما لا يقبله عقل ولا منطق ولا دين، هو أن يكذب عليها هذا الداعية، بأن يضيف إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، يوم صيام قبل الإثنين ويوما بعد الإثنين تطوعا، ويوما قبل الخميس ويوما بعد الخميس تطوعا أيضا، وأن تقضي يوم السبت تطوعاً أيضا، وبهذا قضت الأسبوع كاملاً في الصوم، ثم الشهر، ثم السنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهذا الداعية، كما أضاف صديقي غاضبا، في الدرك الأسفل من النار بإذن الله، لابتداعه سنة لم يسنها الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم أنهى سلطان حديثه بأنها رحمها الله "شهيدة صوم" لا صحة له ولا مذهب ولا دين، إذ أصابها فشل كلوي أدى إلى وفاتها، فسألت سلطان ما هي مواصفات هذا الشيخ؟ فقال لي إنه قصير القامة كثيف اللحية قصير الثوب لا يلبس عقالاً ويضع مسواكاً في جيبه العلوي، فقال لماذا تسأل؟ قلت حتى إذا مر أمام منزلي (اعمل نفسي) لست عربياً ولا أفهم اللغة العربية ولا أعرف ما يقول.

في الحقيقة لدينا مشكلة، بأننا لا نفرق بين الراوي وبين العالم، وبين الداعية وبين الملتزم ذو الهيئة الدينية، أصبح هؤلاء جميعهم في نظرنا علماء فقهاء لا يعلو عليهم أحد الكلمة كلمتهم والدين دينهم وكل ما يقولونه هو الصح ونحن الذين لا نعرف ولولاهم نحن في جهنم ونحن أضحوكة لدى الآخرين! فأين عقولنا؟ ولماذا وصل بنا الحال إلى هذا الوضع! وما هو الخطر الحقيقي المحدق في أفق مجتمعنا حتى ينتشر مثل أولئك دعاة الفشل الكلوي بين البيوت البعيدة التي لا تراها أعين العقلاء! فهل قبل هذا الداعية كان الدين خاطئاً واكتشف هو الخطأ، وأتى إلينا ليصحح الخطأ، أم أن هناك أجندة خارجية مرت أمامنا ولم ننتبه لها، واليوم هؤلاء يفعلون بنودها ببطء ويطبخوننا على نار هادئة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *